تحملين مهمة أخرى عظيمة وهى مهمة كونية فأنت معمل الحياة. من العجيب أن المرأة ولدت بعاطفة الأم أى أن البنت تولد أما، وكأن مهمة الأمومة تحتاج إلى تعبئة تبدأ من سن مبكرة منذ أن كانت في العامين الأولين أو الثلاثة أعوام الأولى من عمرها حتى تصل هذه التعبئة إلى ذروتها في أثناء فترة الحمل، ويفسر أطباء النفس اهتمام الفتيات الصغيرات بالعروسة اللعبة وباللعب معها وتغيير ملابسها، وتعليمها أن تقول: بابا وماما: بأن هذا احتياج فطري عند البنت فهذه هى الرحمة في الأم تُعبأ وتُجهز منذ أن كان عمرها عامين حتى تستخدمها بعد عشرة أو عشرين أو ثلاثين عاما. ظهرت تقليعة في الستينيات من القرن الماضى وهى أنه ليس هناك فرق بين النساء والرجال، وأن التفرقة بين الرجال والنساء يمكن أن تتغير وتساءلوا لماذا يقع عبأ التربية في البيوت على النساء بينما يعمل الرجال في الخارج؟ ولماذا لا يحدث العكس؟ ونشطت جمعيات حقوق النساء في المطالبة بالمساواة بين الرجل والمرأة حتى إنهم ضغطوا على صناع لعب الأطفال وطلبوا منهم عدم تصنيع لعب أولاد ولعب بنات، والتفرقة في اللعب بينهم، لأنها السبب في التفرقة بينهم فيما بعد ولكن كانت النتيجة أن خسرت الشركات أموال طائلة؛ لأن الأطفال الصغار مازالوا يريدون لعبا للأولاد ولعبا للبنات حتى اكتشف الطب الحديث أن تصرفات الجنين الأنثى في بطن الأم مختلفة عن تصرفات الجنين الذكر وهو في بطن أمه فلا يقتصر الفرق بين الجنسين في الأعضاء التناسلية بل يمتد إلى السلوك والاحتياجات أيضا. وكانت نتيجة هذا الاكتشاف أن اعتذر الغرب لشعوبهم على ما كانوا يروجون له في الثلاثين عاما الماضية، وذلك لأن الطب الحديث وجد اختلافا بين الذكر والأنثى وأن احتياجات الجنين الأنثى للأمومة مختلف عن احتياجات الجنين الذكر، فأنتِ أم منذ ولادتك وهذا هو شعور فطرى في البنت.
لماذا أودع الله كل هذا الحنان في الأم؟
وقد يسأل بعض الناس الآن: لماذا أودع الله سبحانه وتعالى كل هذا الحنان في الأم؟ أودع الله سبحانه وتعالى كل هذا الحنان في الأم لأن بدون ذلك الحنان سنضيع، ولتفهم هذا تخيل أن هناك مولودا وُلِد ولا توجد أم لترعاه، ماذا يحدث له؟ وماذا يحدث للبشرية لو أن الله سبحانه لم يودع في قلوبهن هذا الحنان؟ تخيلي حضرتِك أنكِ الآن ولدت، وأن بين يديك طفل رضيع، وأن كل حياة هذا الرضيع مرتبطة بك أنتِ، وأنتِ ترين أن عظامه لينة، وجلده رقيق، ووزنه خفيف، ولا يعرف في الدنيا إلا أنتِ، وتخيلي الآن أن هذا المخلوق ليس هناك في قلبك حنان وعطف له، ماذا يمكن أن يحدث للبشرية؟ وبالتالى أصبحتِ أنتِ أهم جزء في البشرية وبالتالي أصبح بقاء الجنس البشرى مرتبط بكلمة أم حنون. تخيلوا لو أن هذا الحنان لم يكن موجودا في قلب الأم لما كان هذا الرضيع ليخرج من بطن أمه من الأصل، وذلك لأنها كانت ستجهضه وبالتالي يُنفَى الجنس البشرى، ولكن بالحنان الذي في قلب الأم تحملت الأم الآلام لتسعة أشهر ثم تحملت ألم الولادة، ثم بدأت في فك شفرة بكاء الطفل، فهي تعلم متى يعني البكاء أنه يريد أن يأكل؟ أو أن يغير ملابسه؟ أو أن هناك ما يؤلمه، بل هي أذناه التي تؤلمه، لا بل إنه يريد حضنا بينما الرجل لا يفهم هذه المعاني، بل إنه ليس لديه الاستعداد للتعامل مع مثل هذه الأمور حتى ولو كان أكثر الرجال صبرا في العالم؛ فلن يستطيع أن يستيقظ ثلاث مرات ليلا في الواحدة والثالثة والخامسة فجرا؛ لأن ابنه يبكي، بل سيقول إن هذا الولد غير مُربى ويتركه مع أمه، بل ويترك الغرفة كلها ويخرج لينام في الخارج، وإذا قال لزوجته أنه سيساعدها في رعاية الطفل وتحمل أن يرعاه لنصف ساعة من الوقت فلن يتحمل أن يبول الطفل عليه.
ففيك أنت سر من ربنا سبحانه وتعالى، وقد يكون هذا السر الإلهي تَكَوّنَ فيكِ وأنت في بطن أمك، وقد يكون كَوّنَ عند اختلاط دمك بدم أمك وهرموناتك بهرمونات أمك، فهذا سر لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى. يستطيع الرجل أن ينجز مهمة فتجد أن هناك من الرجال من يعمل كطباخ أو كطبيب أو كـ ترزي أو كسائق أو كمدرس، ولكن ليس هناك رجل يعمل كل هذه الأعمال ولكن بما أودعه الله فيكِ من سر وحنان ورحمة وعاطفة تعملين كل هذه الأعمال فأنت مدرسة لغة عربية وإنجليزية وحساب و...إلخ، وأنت مساعدة دكتورة عظيمة تنفذين تعليمات الطبيبة بدقة، و ممرضة ماهرة، وطباخة، و(مكوجية)، و(ترزي)، وأنتِ أستاذة تربية، وفي بعض الأحيان سائقة تعملين على توصيل الأولاد إلى المدرسة وإلى النادي، بل وأنت أيضا بطلة مصارعة، ومن الممكن أن تنقلبي في لحظة إلى وحش كاسر إذا مسه أحد بسوء، وأنتِ بعد كل هذا مدبرة المنزل. بعضنا يعلم القصة الشهيرة لبنك الفقراء وصاحبها محمد يونس والذي أخذ مؤخرا جائزة نوبل فهو الذي أن قال: بنك الفقراء لا يعطى أمواله للرجال بل يعطيها للنساء؛ لأن الرجل يأخذ الأموال ويجلس على القهوة ويصرف نصفها على نفسه والنصف الآخر يعمل به -وأرجوا ألا يتضايق الرجال من هذا الكلام فهو كلام محمد يونس وليس - كلامي - أما النساء فتقول: هذا رزق أولادي، وتحافظ على الأموال ومن ثم أصبح يعطى النساء ولا يعطى الرجال وهذا هو سر نجاح مشروعه بنك الفقراء.
التواصل بين الأم وابنها بالملامسة:
من أنتِ؟ هل أنتِ تجسيد الرحمة؟ هل أنتِ بكل هذه القيمة الغالية عند الله سبحانه وتعالى؟ هل عرفتِ لماذا لكِ أجر الصائم القائم؟ والآن هل عرفت أنك تستطيع أن تتخيل أمك منذ أن كنت جنينا في بطنها، وتقول إن رحمة الله مجسدة في الأرض في أمي أقرب الناس إلىّ التى أمسك بيديها الآن وأطبطب عليها وأقبلها؟ هذه هي نموذج الرحمة في الكون. أعرف أمّا مرض ابنها مرضا شديدا لدرجة أنهم وضعوه في غرفة العناية المركزة ومنعوا أحدا من أن يلمسه، وقد يمر هذا الطلب بعدم اللمس على الرجل بسهولة ولكن صعب جدا أن تطلب من أم ألا تلمس ابنها وألا (تطبطب) عليه، وكادت الأم أن تجن من هذا الطلب وتقول لهم إنها لابد أن تحضنه، وهم يقولون لها: ممنوع، وممنوع دخول الغرفة دون ملابس معقمة فما كان إلا أن جاءت ببطارية وكتبت عليها "أحبك" وعقمتها وأعطتها لابنها الراقد في الغرفة، وصنعت واحدة مثلها لنفسها وكانت تقف خلف زجاج الغرفة وتشاور له بالبطارية وهو يشاور لها ببطاريته ويستمران هكذا لساعتين أو ثلاث ساعات لشهرين كوسيلة لتشعر بالقرب منه، وذلك لأن لديها كمًّا مخزونا من رحمة الله عز وجل لا تستطيع أن تخرجه. هل تستطيع أن تستوعب كم هى حاجة الأم والابن للتلامس؟ ولذلك فقد أثبتت الدراسات الطبية أن الأطفال الذين لا يتم التلامس معهم أو لم يتم حضنهم في السنوات الأولى من أعمارهم يصابون بحالات الاكتئاب بشكل أسرع من ذويهم الذين يتم التلامس معهم.
هذه هي الرحمة التي نبحث عنها في العشر الأوائل من رمضان، امسك يد أمك والمسها وقَّبل يد أمك، واستشعر الرحمة التى أودعها الله سبحانه فيها. أنتِ رمز الرحمة، وأنتِ عنوان الرحمة، وأنتِ من أودع الله فيكِ سرًّا تستطيعين به أن تقومي بمهام لا يستطيع أن يقوم بها الرجال، بل وأن تقومى بعشر مهام في الوقت نفسه، ولا تسأل كيف يمكن ذلك؟ ولا تسأل كيف لها أن تتجاوب مع شفرة بكاء ابنها أو ابنتها؟ فهذا سر إلهىٌ.
يا جماعة هذه هى حلقة اليوم وهى تقول أن قاعدة اليوم لي وللشباب وللبنات وللأمهات وللرجال وللآباء هى: "أنتِ غالية يا أمي". إياك أن تعذب أماً، إياك أن تحرق قلب أم، إياك أن تغضب أماً فتغضب الله سبحانه وتعالى. حلقة اليوم تقول: "أنتِ غالية يا أمي".[/size]