في نصرة فلسطين .. الحاجة جميلة
الشرقية أون لاين - 18/5/2008 م
د. عزة حمدي *
سأبدأ كلمتي بقصة لامرأة فلسطينية تدعي الحاجة جميلة أبو عبية، ولدت جميلة في قرية سيدنا علي بقضاء يافا سنة 1930 وهاجرت مع أسرتها بعد نكبة 48 إلي قرية المقيبلة شمال جنين، وبعد حرب 67 انتقلت إلي العيش في نابلس، وظلت طوال الوقت تحتفظ بمفتاح بيت أسرتها في قرية سيدنا علي، ومع المفتاح احتفظت بكل الأوراق التي تثبت ملكية البيت، كما إنها لم تفرط في بندقية قديمة مما اقتنته أسرتها لتدافع عن بيتها وأرضها في عام 1948.
زارها ذات يوم المسئول الأول عن وكالة غوث اللاجئين الدولية، وسألها عما إذا كانت تقبل مليون دولار تعويضا لها عن أراضي أسرتها ومنزلها في قرية سيدنا علي، فكان ردها: وفر مليونك، وأعطني بدلا من ذلك خيمة اقيمها فوق تراب بيتي الذي هدم أقضي فيها بقية حياتي و لم يحدث ذلك طبعا.
وفي عام 2005، قامت بزيارة بعض أهلها في قرية المقيبلة الذين هاجروا معها في عام 1948، ثم دفعها الحنين إلي زيارة مسقط رأسها في قرية سيدنا علي، وشاءت المقادير أن تكون صورة القرية آخر ما وقعت عليها عيناها من فلسطين، لأنها ماتت بعد ذلك بأربعة ايام، كما أورد ذلك الأستاذ فهمي هويدي في مقاله بالأهرام.
تجسد قصة هذه المرأة قصة أكثر من 6 ملايين شخص فلسطيني يعيشون في الشتات منذ 60 عاما، منهم3 ملايين نصفهم في قطاع غزة ونصفهم داخل فلسطين المحتلة، ولا يزال كبار السن منهم يحملون المفاتيح واوراق الملكية لبيوتهم التي طردوا منها عام 48 ، من 530 قرية و 662 ضيعة ونجعا، كما تمثل هذه القصة سلسلة الهزائم المتلاحقة ، ما بين نكبة 48 حيث استولي اليهود علي 78% من فلسطين ثم النكسة حيث بسطوا سيطرتهم علي كامل أرض فلسطين، ثم الهلكة من أوسلو إلي الآن، حين يبيعوننا الوهم ويعللوننا بالمسكنات فالمفاوضات- و باعتراف أبو مازن نفسه- لم تحرر شبرا ولم تطلق أسيرا ولم تنزع حجرا من سور، ولم تزل حاجزا كما أنها بالطبع لم توقف غول الاستيطان.
و اليهود منذ أوسلو يعملون في أربعة محاور، فيفاوضون لكسب الوقت والتنازلات، ويعملون علي تدمير المقاومة من خلال التصفية و الاجتياحات، ويتمددون علي الأرض من خلال الاستيطان وإقامة الأسوار، ثم يخترقون العالم العربي من خلال التطبيع المعلن وغير المعلن، ولكن يبقي للقصة بعدا آخر هو الأهم، فهذه المرأة تمثل ذاكرة تستعصي علي النسيان، وأملا يستعصي علي الفقدان، وثقة بوعد الله لا تعرف القنوط أو اليأس: (ولينصرن الله من ينصره، إن الله لقوي عزيز).
تمثل صمود المجاهدات ويقين الواثقات، تمثل جل نساء فلسطين اللاتي لم تخدعهن حيل السلام ولا عربة السلام، ولا هاتوا الأرض و القدس و خذوا السلام ، و اختارت المرأة الفلسطينية أن تكون مرابطة ومجاهدة وأحيانا شهيدة أو عالقة، قد تبيت المرأة الفلسطينية طاوية علي كسرة خبزأو بدونها، قد لا تجد الدواء لطفل يخر صريعا بين يديها، وقد لا تجد المروحة صيفا أوالمدفأة شتاء، قد لا تجد الوقود لطعامها أو الماء لشرابها، قد تستقبل كل يوم شهيدا أو جريحا أو تفقد أسيرا، لكنها أبدا لم تفقد يقينها.
اختارت أن تتجذر مع كل شجرة زيتون تغرسها أو كل لبنة هدمها الأعداء تعيد بناءها، ومع كل مولود تضعه أو طفلا ترضعه، مع كل حصار تكسره أو أسيرا تحرره. وما زالت المرأة الفلسطينية تبعث لنا برسائل الصمود والأمل، رغم يأس اليائسين أو تخاذل المستسلمين.
باسم جميلة، وباسم كل نساء فلسطين، باسم كل شهيدة، باسم أمهات الشهداء باسم كل أسيرة ، باسم كل حبة رمال طاهرة روت أرض فلسطين، باسم شهداء الإخوان المسلمين على أرض فلسطين، ابعث برسالة لكل امرأة مسلمة ، أقول لها: شاركي في صنع النصر القادم .. شاركي في استيقاظ فجر الأمة، انسجي خيوطه بيديك، ربى أبناءك ليكونوا أصحاب الأيدي المتوضأة و القلوب الطاهرة، علميهم مغازى الحبيب و سير الصالحين وبطولات المجاهدين، ربيهم ليكونوا أسودا يحمن عرين أمتهم لا دجاجا نسمنه ليأكله الأعداء،علميهم أن الأمة كلها تنتظرهم، تنتظر طليعة، خضراء رايتهم، بيضاء قلوبهم، يحملون الحق ليضيئوا به العالم أجمع، احملي هم دينك، الزمي غرز المجاهدين وقوافل الداعين و كتائب المصلحين، فذاك الطريق لعودة فلسطين(و يقولون متى هو؟ قل عسى أن يكون قريبا) والله أكبر و لله الحمد.
---------------
* كلمة ألقتها في مؤتمر " في ذكرى النكبة .. معا لنصرة فلسطين " بنقابة الأطباء بالشرقية.
منقووووووووووووووووووووووول